بداية تأسيس مراكز الفكر Think Tank عالمياً

تاريخ بداية “Think Tank”

تعود فكرة تأسيس مراكز الفكر أو “Think Tanks” إلى القرن العشرين، لكن جذورها قد تكون أقدم من ذلك بكثير. وقد نشأت هذه المراكز في البداية في سياقات أكاديمية أو بحثية تهدف إلى توفير التحليل العميق والمشورة الاستراتيجية لصانعي القرار في الحكومات أو المؤسسات الكبرى. هنا نظرة عامة عن تاريخ بداية “Think Tank”:

1. الجذور المبكرة:

  • الفكر الاستراتيجي والفلسفي:
    رغم أن مصطلح “Think Tank” لم يُستخدم بشكل رسمي قبل القرن العشرين، فإن فكرة المراكز الفكرية ظهرت في صور مختلفة على مدار التاريخ. منذ العصور القديمة، كان هناك العديد من الفلاسفة والمفكرين الذين قدموا مشورة سياسية واستراتيجية. فمثلاً، في العصور الكلاسيكية، كان هناك مفكرون مثل أفلاطون وأرسطو الذين قدموا استراتيجيات وأفكارًا تؤثر على الحكومات.

2. القرن العشرين – ظهور المراكز الفكرية الحديثة:

  • البداية الرسمية: يُعتبر القرن العشرون هو الفترة التي بدأت فيها فكرة “Think Tank” تأخذ شكلها الحديث. كانت أولى المراكز الفكرية الحديثة في بداية القرن العشرين والتي ظهرت في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث كانت الحكومات والمؤسسات الكبرى بحاجة إلى أبحاث مستقلة ومتعمقة لمساعدتها في اتخاذ قرارات استراتيجية.

  • مركز “كارنيجي” للسلام الدولي (Carnegie Endowment for International Peace): يُعتبر مركز “كارنيجي” الذي تأسس عام 1910 في الولايات المتحدة من أولى الأمثلة على مراكز الفكر الحديثة. كان الهدف من تأسيسه توفير الأبحاث والنقاشات المتعلقة بالعلاقات الدولية والخيارات السياسية والاقتصادية من أجل تحسين العلاقات بين الدول.

  • مركز “هوفر” للدراسات السياسية (Hoover Institution): تم تأسيسه في 1919 في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، وكان يهدف إلى تحليل قضايا الحرب والسلام، وكذلك دراسة السياسات الاقتصادية والسياسية بشكل معمق.

3. التطور والنمو في منتصف القرن العشرين:

  • مع الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومع تصاعد الحاجة إلى أبحاث استراتيجية وتخطيط عسكري في الحكومات، تطورت فكرة المراكز الفكرية بشكل أكبر. كانت هناك حاجة متزايدة إلى جمع البيانات وتحليلها لمساعدة الحكومات في اتخاذ قرارات حساسة في وقت الأزمات.

  • أمثلة أخرى:

    • مركز “راند” (RAND Corporation): تأسس عام 1948 في الولايات المتحدة. كان يهدف في البداية إلى إجراء الأبحاث المتعلقة بالاستراتيجيات العسكرية الأمريكية، ثم توسع ليشمل مجالات أخرى مثل الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية.
    • مؤسسة بروكينغز (Brookings Institution): تأسست في 1916، وكانت تركز على الأبحاث الاقتصادية والسياسية.

4. التوسع العالمي في العقود الأخيرة:

  • مع مرور الوقت، توسعت فكرة “Think Tanks” وانتشرت في أنحاء العالم. في الستينيات والسبعينيات، بدأ عدد كبير من المراكز الفكرية في الظهور في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى ظهور مؤسسات ذات توجهات محددة في مجالات متنوعة مثل البيئة، الاقتصاد، التعليم، السياسة العامة، حقوق الإنسان، وغيرها.

  • المراكز الفكرية في العالم العربي:
    في القرن الواحد والعشرين، بدأت بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات العربية المتحدة والسعودية في تأسيس مراكز فكرية تهدف إلى تقديم المشورة والتحليل في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تخص المنطقة. بعض هذه المراكز تعمل بشكل مستقل، بينما يرتبط بعضها بالحكومات.

5. الوظائف والأثر:

  • دور “Think Tanks” في صناعة السياسات:
    اليوم، تلعب مراكز الفكر دورًا أساسيًا في تقديم الاستشارات والبحوث لصانعي القرار. يساعدون الحكومات، الشركات، والمنظمات غير الحكومية في فحص الخيارات المختلفة واتخاذ القرارات التي تعتمد على تحليل دقيق للمعلومات.

  • التأثير الأكاديمي والبحثي:
    في الوقت ذاته، فإن “Think Tanks” تساهم في تطوير الفكر الأكاديمي والبحث العلمي في مجالات متنوعة. تقدم هذه المؤسسات فرصًا للباحثين لتطوير أفكارهم ومناقشتها في بيئة غير أكاديمية، مما يعزز من تبادل الأفكار والتعاون بين الأوساط البحثية والسياسية.

خلاصة:

  • القرن العشرين هو الفاصل الزمني الذي بدأ فيه مفهوم “Think Tank” يأخذ طابعًا مؤسسيًا وتخصصيًا. بينما ظهرت فكرة المراكز الفكرية منذ العصور القديمة في صورة مفكرين يقدمون الاستشارات الفكرية، فإن التأسيس الرسمي للمراكز الفكرية بدأ في أوائل القرن العشرين.

  • تطور “Think Tanks” على مر السنين ليصبح أداة أساسية لصانعي القرار في مجالات متعددة حول العالم.

 

You may also like...