فريق من معهد العلوم والتكنولوجيا النمساوي (ISTA) إنجازًا تقنيًا باستخدام الألياف البصرية

في خطوة ثورية جديدة في عالم الحوسبة الكمومية، حقق فريق من معهد العلوم والتكنولوجيا النمساوي (ISTA) إنجازًا تقنيًا مبتكرًا يتيح قراءة الكيوبتات فائقة التوصيل باستخدام الألياف البصرية بدلاً من الإشارات الكهربائية التقليدية. تمثل هذه التقنية قفزة نوعية، حيث تفتح آفاقًا جديدة لبناء حواسيب كمومية أكثر كفاءة وقابلية للتوسع، مع إمكانية ربط هذه الحواسيب بشبكات عالمية عبر الألياف البصرية التي تعمل في درجات حرارة الغرفة.

الكيوبتات، وهي الوحدات الأساسية في الحوسبة الكمومية، كانت تعتمد تقليديًا على إشارات كهربائية للكشف عن حالاتها. هذه الإشارات كانت تتطلب نظام تبريد شديد بالقرب من الصفر المطلق، مما يجعل بناء أنظمة كمومية كبيرة أمرًا صعبًا. ورغم فائدة هذه الإشارات، إلا أنها كانت تعاني من عرض نطاق محدود وفقدان كبير للمعلومات، إضافة إلى الحرارة العالية الناتجة عن الأسلاك الكهربائية، مما يتطلب استخدام أنظمة تبريد ضخمة ومعقدة.

لكن فريق ISTA استطاع مواجهة هذا التحدي بحل مبتكر، يتمثل في استخدام محول كهروضوئي لتحويل الإشارات الضوئية إلى إشارات ميكروويف تتناسب مع الكيوبتات. وعند استلام الإشارة الميكروويفية، تعكسها الكيوبتات إلى المحول الذي يعيد تحويلها إلى إشارة بصرية تُرسل للخارج. هذا الأسلوب يقلل من الحاجة إلى العديد من المكونات الكهربائية التقليدية، مما يجعل النظام أكثر استقرارًا وكفاءة. وقد أوضح الباحث توماس فيرنر، أحد القائمين على المشروع، أن التحدي الأكبر تمثل في إرسال الضوء تحت الحمراء بالقرب من الكيوبتات دون التأثير على خاصية التوصيل الفائق لها، إلا أن الفريق نجح في التغلب على هذا التحدي بنجاح.

تكمن الميزة الكبرى لهذه التقنية في تقليل الأحمال الحرارية الناتجة عن الإشارات الكهربائية التقليدية، مما يقلل من الحاجة للتبريد الشديد ويتيح إمكانية زيادة عدد الكيوبتات القابلة للاستخدام في الحوسبة الكمومية. وهذا التوسع يعد أمرًا حيويًا لتحقيق حواسيب كمومية قادرة على إجراء حسابات عملية وفعالة. كما أن استخدام الألياف البصرية يعزز من موثوقية النظام ويقلل من الأخطاء التي كانت تحدث في الأنظمة الكهربائية، كما يخفض من التكلفة التشغيلية بشكل كبير.

لا تقتصر هذه التقنية على تحسين الكيوبتات فقط، بل تفتح المجال لإنشاء شبكات حواسيب كمومية متصلة عبر الألياف البصرية. حيث أن الحواسيب الكمومية الحالية تعتمد على أنظمة تبريد ضخمة تعرف بـ”الثلاجات التخفيفية” لتوفير التبريد اللازم لجميع مكوناتها، إلا أن هذه الثلاجات لا يمكن توسيعها إلى ما لا نهاية. أما التقنية الجديدة فقد تسمح بربط الكيوبتات الموجودة في ثلاجات مختلفة عبر الألياف البصرية، مما يتيح بناء شبكات حوسبة كمومية عالمية تعمل بكفاءة أعلى.

تتجاوز أهمية هذا الاكتشاف حدود المختبرات، خاصة في مجال الاتصالات. فمع إمكانية ربط الحواسيب الكمومية عبر الألياف البصرية، ستتمكن شركات الاتصالات من تحقيق قفزة هائلة في تحسين سرعات نقل البيانات وأمانها. يمكن لهذه التقنية أن تمهد الطريق لتطوير شبكات اتصالات كمومية فائقة السرعة، توفر مستويات غير مسبوقة من الأمان بفضل التشفير الكمومي. كما ستدعم التطبيقات المستقبلية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والاتصالات المتقدمة، مما سيغير بشكل جذري قطاع الاتصالات.

رغم أن النموذج الأولي لا يزال محدودًا من حيث القدرة البصرية المطلوبة، فإن هذا الابتكار يعد إثباتًا لمبدأ إمكانية قراءة الكيوبتات باستخدام الألياف البصرية. يرى الباحثون أن الصناعة ستلعب دورًا كبيرًا في تحسين هذه التقنية وتطويرها لتصبح قابلة للتطبيق على نطاق أوسع.

هذا الإنجاز يمثل خطوة جديدة نحو جعل الحوسبة الكمومية عملية وفعالة للاستخدامات الحقيقية في مجالات متعددة، مثل الأبحاث العلمية، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، ومحاكاة العمليات الفيزيائية المعقدة. وإذا استمرت هذه التقنية في التطور، فقد نكون على أبواب عصر جديد من الاتصالات الكمومية والشبكات الحوسبية فائقة القدرة، مما قد يعيد تشكيل مستقبل التكنولوجيا كما نعرفها اليوم.

You may also like...